منطقة الأعضاء

منتديات الريان سوفت



wwe24h
الملاحظات

اشترك في القائمة البريدية ليصلك جديدنا :   

أهلا وسهلا بك إلى منتديات الريان سوفت التكنولوجيه.
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
المواضيع الاخيرة
~:تخفيضات راس السنه من شركة دي سي اس مصر 2021
~:تخفيضات راس السنة للتشطيبات والديكورات 2021
~:تخفيضات راس السنه من شركة دي سي اس مصر 2021
~:تخفيضات راس السنة للتشطيبات والديكورات 2021
~:عروض راس السنه من شركة دي سي اس مصر 2021
~:عروض شركة تشطيبات وديكورات 2021
~:عروض راس السنه من شركة دي سي اس مصر 2020
~:أفضل شركة تشطيبات وديكورات في مصر
~:أسعار كاميرات مراقبة 2020
~:أقوي شركة للديكورات و التشطيبات 2020
~:أقوي شركة للديكورات و التشطيبات 2020
~:عروض راس السنه من شركة دي سي اس مصر 2020
~:شركة تشطيبات وديكورات 2020
~:عروض راس السنه من شركة دي سي اس مصر 2020
~:شركة دي سي اس مصر لكاميرات المراقبة 2020
~:أقوي شركة للديكورات و التشطيبات 2020
~:شركة دي سي اس مصر لكاميرات المراقبة 2020
~:أقوي شركة للديكورات و التشطيبات 2020
~:أفضل انواع كاميرات مراقبة 2020
~:أقوي شركة للديكورات و التشطيبات 2020
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:
من طرف:

شاطر
المعلومات
الكاتب:
System32
اللقب:
مساعد المدير
الرتبه:
مساعد المدير
الصورة الرمزية

System32

البيانات
الجنس الجنس :
ذكر
الـمـشـاركـات الـمـشـاركـات :
1874
المكسب المكسب :
16678
الاعجاب الاعجاب :
38

الساعه بتوقيت الاردن

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://kahn.yoo7.com/
مُساهمةموضوع: تفسير سورة النساء
تفسير سورة النساء Clock102011-08-25, 15:23

الريان سوفت :تفسير سورة النساء,الريان سوفت :تفسير سورة النساء,الريان سوفت :تفسير سورة النساء,الريان سوفت :تفسير سورة النساء,الريان سوفت :تفسير سورة النساء,الريان سوفت :تفسير سورة النساء,


- تفسير
سورة النساء

عدد آياتها 176

(



آية



1-25

)

وهي مدنية




{

1


}

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا }



افتتح تعالى هذه السورة بالأمر بتقواه، والحث على عبادته، والأمر بصلة الأرحام،
والحث على ذلك.




وبيَّن السبب الداعي الموجب لكل من ذلك، وأن الموجب لتقواه لأنه


{ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ }

ورزقكم، ورباكم بنعمه العظيمة، التي من جملتها خلقكم


{ مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا }

ليناسبها، فيسكن إليها، وتتم بذلك النعمة، ويحصل به السرور، وكذلك من الموجب
الداعي لتقواه تساؤلكم به وتعظيمكم، حتى إنكم إذا أردتم قضاء حاجاتكم ومآربكم،
توسلتم بـها بالسؤال بالله. فيقول من يريد ذلك لغيره: أسألك بالله أن تفعل
الأمر الفلاني؛ لعلمه بما قام في قلبه من تعظيم الله الداعي أن لا يرد من سأله
بالله، فكما عظمتموه بذلك فلتعظموه بعبادته وتقواه.




وكذلك الإخبار بأنه رقيب، أي: مطلع على العباد في حال حركاتـهم وسكونـهم، وسرهم
وعلنهم، وجميع أحوالهم، مراقبا لهم فيها مما يوجب مراقبته، وشدة الحياء منه،
بلزوم تقواه.




وفي الإخبار بأنه خلقهم من نفس واحدة، وأنه بثهم في أقطار الأرض، مع رجوعهم إلى
أصل واحد -ليعطف بعضهم على بعض، ويرقق بعضهم على بعض. وقرن الأمر بتقواه بالأمر
ببر الأرحام والنهي عن قطيعتها، ليؤكد هذا الحق، وأنه كما يلزم القيام بحق
الله، كذلك يجب القيام بحقوق الخلق، خصوصا الأقربين منهم، بل القيام بحقوقهم هو
من حق الله الذي أمر به.




وتأمل كيف افتتح هذه السورة بالأمر بالتقوى، وصلة الأرحام والأزواج عموما، ثم
بعد ذلك فصل هذه الأمور أتم تفصيل، من أول السورة إلى آخرها. فكأنـها مبنية على
هذه الأمور المذكورة، مفصلة لما أجمل منها، موضحة لما أبهم.




وفي قوله:


{ وخلق مِنْهَا زَوْجَهَا }

تنبيه على مراعاة حق الأزواج والزوجات والقيام به، لكون الزوجات مخلوقات من
الأزواج، فبينهم وبينهن أقرب نسب وأشد اتصال، وأقرب علاقة.







وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ
بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ
كَانَ حُوبًا كَبِيرًا }





وقوله تعالى:


{ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا
أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا }

هذا أول ما أوصى به من حقوق الخلق في هذه السورة. وهم اليتامى الذين فقدوا
آباءهم الكافلين لهم، وهم صغار ضعاف لا يقومون بمصالحهم.




فأمر الرءوف الرحيم عباده أن يحسنوا إليهم، وأن لا يقربوا أموالهم إلا بالتي هي
أحسن، وأن يؤتوهم أموالهم إذا بلغوا ورشدوا، كاملة موفرة، وأن لا


{ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ }

الذي هو أكل مال اليتيم بغير حق.


{ بِالطَّيِّبِ }

وهو الحلال الذي ما فيه حرج ولا تبعة.


{ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ }

أي: مع أموالكم، ففيه تنبيه لقبح أكل مالهم بهذه الحالة، التي قد استغنى بها
الإنسان بما جعل الله له من الرزق في ماله. فمن تجرأ على هذه الحالة، فقد أتى


{ حُوبًا كَبِيرًا }

أي: إثمًا عظيمًا، ووزرًا جسيمًا.




ومن استبدال الخبيث بالطيب أن يأخذ الولي من مال اليتيم النفيس، ويجعل بدله من
ماله الخسيس. وفيه الولاية على اليتيم، لأن مِنْ لازم إيتاء اليتيم ماله، ثبوت
ولاية المؤتي على ماله.




وفيه الأمر بإصلاح مال اليتيم، لأن تمام إيتائه ماله حفظه والقيام به بما يصلحه
وينميه وعدم تعريضه للمخاوف والأخطار.




{ 3 - 4 } { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا
مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى
أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ
لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا }




أي: وإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء اللاتي تحت حجوركم وولايتكم وخفتم أن
لا تقوموا بحقهن لعدم محبتكم إياهن، فاعدلوا إلى غيرهن، وانكحوا


{ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }

أي: ما وقع عليهن اختياركم من ذوات الدين، والمال، والجمال، والحسب، والنسب،
وغير ذلك من الصفات الداعية لنكاحهن، فاختاروا على نظركم، ومن أحسن ما يختار من
ذلك صفة الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع لمالها
ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يمينك"




وفي هذه الآية - أنه ينبغي للإنسان أن يختار قبل النكاح، بل وقد أباح له الشارع
النظر إلى مَنْ يريد تزوجها ليكون على بصيرة من أمره. ثم ذكر العدد الذي أباحه
من النساء فقال:


{ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ }

أي: من أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل، أو ثلاثا فليفعل، أو أربعا فليفعل، ولا يزيد
عليها، لأن الآية سيقت لبيان الامتنان، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله
تعالى إجماعا.




وذلك لأن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة، فأبيح له واحدة بعد واحدة، حتى
يبلغ أربعا، لأن في الأربع غنية لكل أحد، إلا ما ندر، ومع هذا فإنما يباح له
ذلك إذا أمن على نفسه الجور والظلم، ووثق بالقيام بحقوقهن.




فإن خاف شيئا من هذا فليقتصر على واحدة، أو على ملك يمينه. فإنه لا يجب عليه
القسم في ملك اليمين


{ ذَلِك }

أي: الاقتصار على واحدة أو ما ملكت اليمين


{ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا }

أي: تظلموا.




وفي هذا أن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم، وعدم القيام بالواجب
-ولو كان مباحًا- أنه لا ينبغي له أن يتعرض، له بل يلزم السعة والعافية، فإن
العافية خير ما أعطي العبد.




ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونـهن حقوقهن، خصوصا الصداق الذي
يكون شيئا كثيرًا، ودفعة واحدة، يشق دفعه للزوجة، أمرهم وحثهم على إيتاء النساء


{ صَدُقَاتِهِنَّ }

أي: مهورهن


{ نِحْلَةً }

أي: عن طيب نفس، وحال طمأنينة، فلا تمطلوهن أو تبخسوا منه شيئا. وفيه: أن المهر
يدفع إلى المرأة إذا كانت مكلفة، وأنـها تملكه بالعقد، لأنه أضافه إليها،
والإضافة تقتضي التمليك.




{ فَإِنْ طِبْنَ لَكُم عَنْ شَيْءٍ مِّنْهُ }

أي: من الصداق


{ نَفْسًا }

بأن سمحن لكم عن رضا واختيار بإسقاط شيء منه، أو تأخيره أو المعاوضة عنه.


{ فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا }

أي: لا حرج عليكم في ذلك ولا تبعة.




وفيه دليل على أن للمرأة التصرف في مالها -ولو بالتبرع- إذا كانت رشيدة، فإن لم
تكن كذلك فليس لعطيتها حكم، وأنه ليس لوليها من الصداق شيء، غير ما طابت به.




وفي قوله:


{ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء }

دليل على أن نكاح الخبيثة غير مأمور به، بل منهي عنه كالمشركة، وكالفاجرة، كما
قال تعالى:


{ وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }

وقال:


{ وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ }








{ 5 } { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ
لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا
مَّعْرُوفًا }




وقوله تعالى:


{ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم
وقولوا لهم قولا معروفا }

السفهاء: جمع "سفيه" وهو: من لا يحسن التصرف في المال، إما لعدم عقله كالمجنون
والمعتوه، ونحوهما، وإما لعدم رشده كالصغير وغير الرشيد. فنهى الله الأولياء أن
يؤتوا هؤلاء أموالهم خشية إفسادها وإتلافها، لأن الله جعل الأموال قياما لعباده
في مصالح دينهم ودنياهم، وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها، فأمر الولي أن
لا يؤتيهم إياها، بل يرزقهم منها ويكسوهم، ويبذل منها ما يتعلق بضروراتهم
وحاجاتهم الدينية والدنيوية، وأن يقولوا لهم قولا معروفا، بأن يعدوهم -إذا
طلبوها- أنهم سيدفعونها لهم بعد رشدهم، ونحو ذلك، ويلطفوا لهم في الأقوال جبرًا
لخواطرهم.




وفي إضافته تعالى الأموال إلى الأولياء، إشارة إلى أنه يجب عليهم أن يعملوا في
أموال السفهاء ما يفعلونه في أموالهم، من الحفظ والتصرف وعدم التعريض للأخطار.
وفي الآية دليل على أن نفقة المجنون والصغير والسفيه في مالهم، إذا كان لهم
مال، لقوله:


{ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ }





وفيه دليل على أن قول الولي مقبول فيما يدعيه من النفقة الممكنة والكسوة؛ لأن
الله جعله مؤتمنا على مالهم فلزم قبول قول الأمين.







{ 6 } { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا
تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا
فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا
دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى
بِاللَّهِ حَسِيبًا }




الابتلاء: هو الاختبار والامتحان، وذلك بأن يدفع لليتيم المقارب للرشد، الممكن
رشده، شيئا من ماله، ويتصرف فيه التصرف اللائق بحاله، فيتبين بذلك رشده من
سفهه، فإن استمر غير محسن للتصرف لم يدفع إليه ماله، بل هو باق على سفهه، ولو
بلغ عمرا كثيرا.




فإن تبين رشده وصلاحه في ماله وبلغ النكاح


{ فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ }

كاملة موفرة.


{ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا }

أي: مجاوزة للحد الحلال الذي أباحه الله لكم من أموالكم، إلى الحرام الذي حرمه
الله عليكم من أموالهم.




{ وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا }

أي: ولا تأكلوها في حال صغرهم التي لا يمكنهم فيها أخذها منكم، ولا منعكم من
أكلها، تبادرون بذلك أن يكبروا، فيأخذوها منكم ويمنعوكم منها.




وهذا من الأمور الواقعة من كثير من الأولياء، الذين ليس عندهم خوف من الله، ولا
رحمة ومحبة للمولى عليهم، يرون هذه الحال حال فرصة فيغتنمونها ويتعجلون ما حرم
الله عليهم، فنهى الله تعالى عن هذه الحالة بخصوصها.




{ 7 } { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ
وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا
قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا }




كان العرب في الجاهلية - من جبروتهم وقسوتهم لا يورثون الضعفاء كالنساء
والصبيان، ويجعلون الميراث للرجال الأقوياء لأنهم -بزعمهم- أهل الحرب والقتال
والنهب والسلب، فأراد الرب الرحيم الحكيم أن يشرع لعباده شرعًا، يستوي فيه
رجالهم ونساؤهم، وأقوياؤهم وضعفاؤهم. وقدم بين يدي ذلك أمرا مجملا لتتوطَّن على
ذلك النفوس.




فيأتي التفصيل بعد الإجمال، قد تشوفت له النفوس، وزالت الوحشة التي منشؤها
العادات القبيحة، فقال:


{ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ }

: أي: قسط وحصة


{ مِمَّا تَرَكَ }

أي: خلف


{ الْوَالِدَان }

أي: الأب والأم


{ وَالْأَقْرَبُونَ }

عموم بعد خصوص


{ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ }





فكأنه قيل: هل ذلك النصيب راجع إلى العرف والعادة، وأن يرضخوا لهم ما يشاءون؟
أو شيئا مقدرا؟ فقال تعالى:


{ نَصِيبًا مَفْرُوضًا }

: أي: قد قدره العليم الحكيم. وسيأتي -إن شاء الله- تقدير ذلك.




وأيضا فهاهنا توهم آخر، لعل أحدا يتوهم أن النساء والولدان ليس لهم نصيب إلا من
المال الكثير، فأزال ذلك بقوله:


{ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ }

فتبارك الله أحسن الحاكمين.







{ 8 } { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا }




وهذا من أحكام الله الحسنة الجليلة الجابرة للقلوب فقال:


{ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ }

أي: قسمة المواريث


{ أُولُو الْقُرْبَى }

أي: الأقارب غير الوارثين بقرينة قوله:


{ الْقِسْمَةَ }

لأن الوارثين من المقسوم عليهم.


{ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين }

أي: المستحقون من الفقراء.


{ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ }

أي: أعطوهم ما تيسر من هذا المال الذي جاءكم بغير كد ولا تعب، ولا عناء ولا
نَصَب، فإن نفوسهم متشوفة إليه، وقلوبهم متطلعة، فاجبروا خواطرهم بما لا يضركم
وهو نافعهم.




ويؤخذ من المعنى أن كل من له تطلع وتشوف إلى ما حضر بين يدي الإنسان، ينبغي له
أن يعطيه منه ما تيسر، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا جاء أحدَكم
خادمُه بطعامه فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين" أو كما
قال.




وكان الصحابة رضي الله عنهم -إذا بدأت باكورة أشجارهم- أتوا بها رسول الله صلى
الله عليه وسلم فبرَّك عليها، ونظر إلى أصغر وليد عنده فأعطاه ذلك، علما منه
بشدة تشوفه لذلك، وهذا كله مع إمكان الإعطاء، فإن لم يمكن ذلك -لكونه حق سفهاء،
أو ثَم أهم من ذلك- فليقولوا لهم


{ قَولًا مَعْرُوفًا }

يردوهم ردًّا جميلا، بقول حسن غير فاحش ولا قبيح.







{ 9 - 10 } { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً
ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا
إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }





قيل: إن هذا خطاب لمن يحضر مَنْ حضره الموت وأجنف في وصيته، أن يأمره بالعدل في
وصيته والمساواة فيها، بدليل قوله:


{ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا }

أي: سدادا، موافقا للقسط والمعروف. وأنهم يأمرون من يريد الوصية على أولاده بما
يحبون معاملة أولادهم بعدهم.




وقيل: إن المراد بذلك أولياء السفهاء من المجانين والصغار والضعاف أن يعاملوهم
في مصالحهم الدينية والدنيوية بما يحبون أن يعامل به مَنْ بعدهم من ذريتهم
الضعاف


{ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ }

في ولايتهم لغيرهم، أي: يعاملونهم بما فيه تقوى الله، من عدم إهانتهم والقيام
عليهم، وإلزامهم لتقوى الله.




ولما أمرهم بذلك، زجرهم عن أكل أموال اليتامى، وتوعد على ذلك أشد العذاب فقال:


{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا }

أي: بغير حق. وهذا القيد يخرج به ما تقدم، من جواز الأكل للفقير بالمعروف، ومن
جواز خلط طعامهم بطعام اليتامى.




فمَنْ أكلها ظلمًا فـ


{ إنما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا }

أي: فإن الذي أكلوه نار تتأجج في أجوافهم وهم الذين أدخلوها في بطونهم.


{ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }

أي: نارًا محرقة متوقدة. وهذا أعظم وعيد ورد في الذنوب، يدل على شناعة أكل
أموال اليتامى وقبحها، وأنها موجبة لدخول النار، فدل ذلك أنها من أكبر الكبائر.
نسأل الله العافية.







{ 11 - 12 } { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا
مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ
لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ
دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ
نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
*وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ
فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ
إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ
الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ
وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ
دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ }





هذه الآيات والآية التي هي آخر السورة هن آيات المواريث المتضمنة لها. فإنها مع
حديث عبد الله بن عباس الثابت في صحيح البخاري "ألْحِقوا الفرائض بأهلها، فما
بقي فلأولى رجل ذكر" - مشتملات على جل أحكام الفرائض، بل على جميعها كما سترى
ذلك، إلا ميراث الجدات فإنه غير مذكور في ذلك. لكنه قد ثبت في السنن عن المغيرة
بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس، مع
إجماع العلماء على ذلك.




فقوله تعالى:


{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ }

أي: أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا
بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد،
وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى:


{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }

فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها
فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب.




وهذا مما يدل على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدين، حيث أوصى الوالدين مع
كمال شفقتهم، عليهم.




ثم ذكر كيفية إرثهم فقال:


{ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ }

أي: الأولاد للصلب، والأولاد للابن، للذكر مثل حظ الأنثيين، إن لم يكن معهم
صاحب فرض، أو ما أبقت الفروض يقتسمونه كذلك، وقد أجمع العلماء على ذلك، وأنه
-مع وجود أولاد الصلب- فالميراث لهم. وليس لأولاد الابن شيء، حيث كان أولاد
الصلب ذكورًا وإناثا، هذا مع اجتماع الذكور والإناث. وهنا حالتان: انفراد
الذكور، وسيأتي حكمها. وانفراد الإناث، وقد ذكره بقوله:


{ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ }

أي: بنات صلب أو بنات ابن، ثلاثا فأكثر


{ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَة }

أي: بنتا أو بنت ابن


{ فَلَهَا النِّصْفُ }

وهذا إجماع.




بقي أن يقال: من أين يستفاد أن للابنتين الثنتين الثلثين بعد الإجماع على ذلك؟




فالجواب أنه يستفاد من قوله:


{ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ }

فمفهوم ذلك أنه إن زادت على الواحدة، انتقل الفرض عن النصف، ولا ثَمَّ بعده إلا
الثلثان. وأيضا فقوله:


{ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ }

إذا خلَّف ابنًا وبنتًا، فإن الابن له الثلثان، وقد أخبر الله أنه مثل حظ
الأنثيين، فدل ذلك على أن للبنتين الثلثين.




وأيضًا فإن البنت إذا أخذت الثلث مع أخيها - وهو أزيد ضررًا عليها من أختها،
فأخذها له مع أختها من باب أولى وأحرى.




وأيضا فإن قوله تعالى في الأختين:


{ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ }

نص في الأختين الثنتين.




فإذا كان الأختان الثنتان -مع بُعدهما- يأخذان الثلثين فالابنتان -مع قربهما-
من باب أولى وأحرى. وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنتي سعد الثلثين كما
في الصحيح.




بقي أن يقال: فما الفائدة في قوله:


{ فَوْقَ اثْنَتَيْن }

؟. قيل: الفائدة في ذلك -والله أعلم- أنه ليعلم أن الفرض الذي هو الثلثان لا
يزيد بزيادتهن على الثنتين بل من الثنتين فصاعدًا. ودلت الآية الكريمة أنه إذا
وجد بنت صلب واحدة، وبنت ابن أو بنات ابن، فإن لبنت الصلب النصف، ويبقى من
الثلثين اللذين فرضهما الله للبنات أو بنات الابن السدس، فيعطى بنت الابن، أو
بنات الابن، ولهذا يسمى هذا السدس تكملة الثلثين.




ومثل ذلك بنت الابن، مع بنات الابن اللاتي أنزل منها.




وتدل الآية أنه متى استغرق البنات أو بنات الابن الثلثين، أنه يسقط مَنْ دونهن
مِنْ بنات الابن لأن الله لم يفرض لهن إلا الثلثين، وقد تم. فلو لم يسقطن لزم
من ذلك أن يفرض لهن أزيَد من الثلثين، وهو خلاف النص.




وكل هذه الأحكام مجمع عليها بين العلماء ولله الحمد.




ودل قوله:


{ مِمَّا تَرَكَ }

أن الوارثين يرثون كل ما خلف الميت من عقار وأثاث وذهب وفضة وغير ذلك، حتى
الدية التي لم تجب إلا بعد موته، وحتى الديون التي في الذمم




ثم ذكر ميراث الأبوين فقال:


{ وَلِأَبَوَيْهِ }

أي: أبوه وأمه


{ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ
}

أي: ولد صلب أو ولد ابن ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو متعددًا.




فأما الأُم فلا تزيد على السدس مع أحد من الأولاد.




وأما الأب فمع الذكور منهم، لا يستحق أزيد من السدس، فإن كان الولد أنثى أو
إناثا ولم يبق بعد الفرض شيء -كأبوين وابنتين- لم يبق له تعصيب. وإن بقي بعد
فرض البنت أو البنات شيء أخذ الأب السدس فرضًا، والباقي تعصيبًا، لأننا ألحقنا
الفروض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر، وهو أولى من الأخ والعم وغيرهما.




{ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ
}

أي: والباقي للأب لأنه أضاف المال إلى الأب والأُم إضافة واحدة، ثم قدر نصيب
الأُم، فدل ذلك على أن الباقي للأب.




وعلم من ذلك أن الأب مع عدم الأولاد لا فرض له، بل يرث تعصيبا المال كله، أو ما
أبقت الفروض، لكن لو وجد مع الأبوين أحد الزوجين -ويعبر عنهما بالعمريتين- فإن
الزوج أو الزوجة يأخذ فرضه، ثم تأخذ الأُم ثلث الباقي والأب الباقي.




وقد دل على ذلك قوله:


{ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ }

أي: ثلث ما ورثه الأبوان. وهو في هاتين الصورتين إما سدس في زوج وأم وأب، وإما
ربع في زوجة وأم وأب. فلم تدل الآية على إرث الأُم ثلثَ المال كاملا مع عدم
الأولاد حتى يقال: إن هاتين الصورتين قد استثنيتا من هذا.




ويوضح ذلك أن الذي يأخذه الزوج أو الزوجة بمنزلة ما يأخذه الغرماء، فيكون من
رأس المال، والباقي بين الأبوين.




ولأنا لو أعطينا الأُم ثلث المال، لزم زيادتها على الأب في مسألة الزوج، أو أخذ
الأب في مسألة الزوجة زيادة عنها نصفَ السدس، وهذا لا نظير له، فإن المعهود
مساواتها للأب، أو أخذه ضعفَ ما تأخذه الأم.




{ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ }

أشقاء، أو لأب، أو لأم، ذكورًا كانوا أو إناثًا، وارثين أو محجوبين بالأب أو
الجد [لكن قد يقال: ليس ظاهرُ قوله:


{ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ }

شاملا لغير الوارثين بدليل عدم تناولها للمحجوب بالنصف، فعلى هذا لا يحجبها عن
الثلث من الإخوة إلا الإخوة الوارثون. ويؤيده أن الحكمة في حجبهم لها عن الثلث
لأجل أن يتوفر لهم شيء من المال، وهو معدوم، والله أعلم] ولكن بشرط كونهم
اثنين فأكثر، ويشكل على ذلك إتيان لفظ "الإخوة" بلفظ الجمع. وأجيب عن ذلك بأن
المقصود مجرد التعدد، لا الجمع، ويصدق ذلك باثنين.




وقد يطلق الجمع ويراد به الاثنان، كما في قوله تعالى عن داود وسليمان


{ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ }

وقال في الإخوة للأُم:


{ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ
أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ
ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }





فأطلق لفظ الجمع والمراد به اثنان فأكثر بالإجماع. فعلى هذا لو خلف أمًّا وأبًا
وإخوة، كان للأُم السدس، والباقي للأب فحجبوها عن الثلث، مع حجب الأب إياهم
[إلا على الاحتمال الآخر فإن للأم الثلث والباقي للأب]




ثم قال تعالى:


{ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ }

أي: هذه الفروض والأنصباء والمواريث إنما ترد وتستحق بعد نزع الديون التي على
الميت لله أو للآدميين، وبعد الوصايا التي قد أوصى الميت بها بعد موته، فالباقي
عن ذلك هو التركة الذي يستحقه الورثة.




وقدم الوصية مع أنها مؤخرة عن الدين للاهتمام بشأنها، لكون إخراجها شاقًّا على
الورثة، وإلا فالديون مقدمة عليها، وتكون من رأس المال.




وأما الوصية فإنها تصح من الثلث فأقل للأجنبي الذي هو غير وارث. وأما غير ذلك
فلا ينفذ إلا بإجازة الورثة، قال تعالى:


{ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا
}





فلو ردَّ تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به عليم،
لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الأحسن، في كل زمان ومكان. فلا يدرون
أَيُّ الأولادِ أو الوالِدين أنفع لهم، وأقرب لحصول مقاصدهم الدينية والدنيوية.




{ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا }

أي: فرضها الله الذي قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحكم ما شرعه وقدَّر ما قدَّره
على أحسن تقدير لا تستطيع العقول أن تقترح مثل أحكامه الصالحة الموافقة لكل
زمان ومكان وحال.




ثم قال تعالى:


{ وَلَكُمْ }

أيها الأزواج


{ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ
كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ
يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ
يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا
تَرَكْتُم مِّنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ }





ويدخل في مسمى الولد المشروط وجوده أو عدمه، ولد الصلب أو ولد الابن الذكر
والأُنثى، الواحد والمتعدد، الذي من الزوج أو من غيره، ويخرج عنه ولد البنات
إجماعًا.




ثم قال تعالى:


{ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ
أُخْتٌ }

أي: من أم، كما هي في بعض القراءات. وأجمع العلماء على أن المراد بالإخوة هنا
الإخوة للأُم، فإذا كان يورث كلالة أي: ليس للميت والد ولا ولد أي: لا أب ولا
جد ولا ابن ولا ابن ابن ولا بنت ولا بنت ابن وإن نزلوا. وهذه هي الكلالة كما
فسرها بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقد حصل على ذلك الاتفاق ولله الحمد.




{ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا }

أي: من الأخ والأخت


{ السُّدُسُ }
،


{ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ }

أي: من واحد


{ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }

أي: لا يزيدون على الثلث ولو زادوا عن اثنين. ودل قوله:


{ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }

أن ذَكَرهم وأنثاهم سواء، لأن لفظ "التشريك" يقتضي التسوية.




ودل لفظ


{ الْكَلَالَةِ }

على أن الفروع وإن نزلوا، والأصولَ الذكور وإن علوا، يُسقطون أولاد الأُم، لأن
الله لم يورثهم إلا في الكلالة، فلو لم يكن يورث كلالة، لم يرثوا منه شيئًا
اتفاقًا.




ودل قوله:


{ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }

أن الإخوة الأشقاء يَسقُطون في المسألة المسماة بالحمارية. وهى: زوج، وأم،
وإخوة لأم، وإخوة أشقاء. للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخوة للأم الثلث، ويسقط
الأشقاء، لأن الله أضاف الثلث للإخوة من الأُم، فلو شاركهم الأشقاء لكان جمعا
لما فرَّق الله حكمه. وأيضا فإن الإخوة للأم أصحاب فروض، والأشقاء عصبات. وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم: - "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل
ذكر" - وأهل الفروض هم الذين قدَّر الله أنصباءهم، ففي هذه المسألة لا يبقى
بعدهم شيء، فيَسْقُط الأشقاء، وهذا هو الصواب في ذلك.




وأما ميراث الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب، فمذكور في قوله:


{ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ }

الآية.




فالأخت الواحدة شقيقة أو لأب لها النصف، والثنتان لهما الثلثان، والشقيقة
الواحدة مع الأخت للأب أو الأخوات تأخذ النصف، والباقي من الثلثين للأخت أو
الأخوات لأب وهو السدس تكملة الثلثين. وإذ استغرقت الشقيقات الثلثين سقط
الأخوات للأب كما تقدم في البنات وبنات الابن. وإن كان الإخوة رجالاً ونساءً
فللذكر مثل حظ الأنثيين.




فإن قيل: فهل يستفاد حكم ميراث القاتل، والرقيق، والمخالف في الدين، والمبعض،
والخنثى، والجد مع الإخوة لغير أم، والعول، والرد، وذوي الأرحام، وبقية العصبة،
والأخوات لغير أم مع البنات أو بنات الابن من القرآن أم لا؟




قيل: نعم، فيه تنبيهات وإشارات دقيقة يعسر فهمها على غير المتأمل تدل على جميع
المذكورات. فأما (القاتل والمخالف في الدين) فيعرف أنهما غير وارثين من بيان
الحكمة الإلهية في توزيع المال على الورثة بحسب قربهم ونفعهم الديني والدنيوي.




وقد أشار تعالى إلى هذه الحكمة بقوله:


{ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا }

وقد عُلم أن القاتل قد سعى لمورثه بأعظم الضرر، فلا ينتهض ما فيه من موجب
الإرث أن يقاوم ضرر القتل الذي هو ضد النفع الذي رتب عليه الإرث. فعُلم من ذلك
أن القتل أكبر مانع يمنع الميراث، ويقطع الرحم الذي قال الله فيه:


{ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ }

مع أنه قد استقرت القاعدة الشرعية أن "من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه"




وبهذا ونحوه يعرف أن المخالف لدين الموروث لا إرث له، وذلك أنه قد تعارض الموجب
الذي هو اتصال النسب الموجب للإرث، والمانعُ الذي هو المخالفة في الدين الموجبة
للمباينة من كل وجه، فقوي المانع ومنع موجب الإرث الذي هو النسب، فلم يعمل
الموجب لقيام المانع. يوضح ذلك أن الله تعالى قد جعل حقوق المسلمين أولى من
حقوق الأقارب الكفار الدنيوية، فإذا مات المسلم انتقل ماله إلى من هو أولى وأحق
به. فيكون قوله تعالى:


{ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ }

إذا اتفقت أديانهم، وأما مع تباينهم فالأخوة الدينية مقدمة على الأخوة النسبية
المجردة.




قال ابن القيم في "جلاء الأفهام": وتأمل هذا المعنى في آية المواريث، وتعليقه
سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة دون المرأة، كما في قوله تعالى:


{ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ }

إيذانا بأن هذا التوارث إنما وقع بالزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب، والمؤمن
والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب، فلا يقع بينهما التوارث. وأسرار مفردات
القرآن ومركباته فوق عقول العالمين [انتهى].




وأما ( الرقيق ) فإنه لا يرث ولا يورث، أما كونه لا يورث فواضح، لأنه ليس له
مال يورث عنه، بل كل ما معه فهو لسيده. وأما كونه لا يرث فلأنه لا يملك، فإنه
لو ملك لكان لسيده، وهو أجنبي من الميت فيكون مثل قوله تعالى:


{ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن }



{ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ }



{ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ }

ونحوها لمن يتأتى منه التملك، وأما الرقيق فلا يتأتى منه ذلك، فعلم أنه لا
ميراث له. وأما مَنْ بعضه حر وبعضه رقيق فإنه تتبعض أحكامه. فما فيه من الحرية
يستحق بها ما رتبه الله في المواريث، لكون ما فيه من الحرية قابلا للتملك، وما
فيه من الرق فليس بقابل لذلك، فإذا يكون المبعض، يرث ويورث، ويحجب بقدر ما فيه
من الحرية. وإذا كان العبد يكون محمودا مذموما، مثابا ومعاقبا، بقدر ما فيه من
موجبات ذلك، فهذا كذلك. وأما ( الخنثى ) فلا يخلو إما أن يكون واضحا ذكوريته أو
أنوثيته، أو مشكلا. فإن كان واضحا فالأمر فيه واضح.




إن كان ذكرا فله حكم الذكور، ويشمله النص الوارد فيهم.




وإن كان أنثى فله حكم الإناث، ويشملها النص الوارد فيهن.




وإن كان مشكلا، فإن كان الذكر والأنثى لا يختلف إرثهما -كالإخوة للأم- فالأمر
فيه واضح، وإن كان يختلف إرثه بتقدير ذكوريته وبتقدير أنوثيته، ولم يبق لنا
طريق إلى العلم بذلك، لم نعطه أكثر التقديرين، لاحتمال ظلم من معه من الورثة،
ولم نعطه الأقل، لاحتمال ظلمنا له. فوجب التوسط بين الأمرين، وسلوكُ أعدل
الطريقين، قال تعالى:


{ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }

وليس لنا طريق إلى العدل في مثل هذا أكثر من هذا الطريق المذكور. و


{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }



{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }





وأما ( ميراث الجد ) مع الإخوة الأشقاء أو لأب، وهل يرثون معه أم لا؟ فقد دل
كتاب الله على قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأن الجد يحجب الإخوة أشقاء أو
لأب أو لأم، كما يحجبهم الأب.




وبيان ذلك: أن الجد أب في غير موضع من القرآن كقوله تعالى:


{ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ
بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ }

الآية. وقال يوسف عليه السلام:

[font:9
توقيع العضو
خيارات المشاركه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المعلومات
الكاتب:
System32
اللقب:
مساعد المدير
الرتبه:
مساعد المدير
الصورة الرمزية

System32

البيانات
الجنس الجنس :
ذكر
الـمـشـاركـات الـمـشـاركـات :
1874
المكسب المكسب :
16678
الاعجاب الاعجاب :
38

الساعه بتوقيت الاردن

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://kahn.yoo7.com/
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النساء
تفسير سورة النساء Clock102011-08-25, 15:25

الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,



{ 15 - 16 } { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ
فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا
فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ
يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا * وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ
فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ
كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا }




أي: النساء


{ اللاتي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ }

أي: الزنا، ووصفها بالفاحشة لشناعتها وقبحها.




{ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ }

أي: من رجالكم المؤمنين العدول.


{ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ }

أي: احبسوهن عن الخروج الموجب للريبة. وأيضا فإن الحبس من جملة العقوبات


{ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ }

أي: هذا منتهى الحبس.


{ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا }

أي: طريقا غير الحبس في البيوت، وهذه الآية ليست منسوخة، وإنما هي مغياة إلى
ذلك الوقت، فكان الأمر في أول الإسلام كذلك حتى جعل الله لهن سبيلا، وهو رجم
المحصن وجلد غير المحصن.




{ و }

كذلك


{ الَّلذَانِ يَأْتِيَانِهَا }

أي: الفاحشة


{ مِنْكُمْ }

من الرجال والنساء


{ فَآذُوهُمَا }

بالقول والتوبيخ والتعيير والضرب الرادع عن هذه الفاحشة، فعلى هذا يكون الرجال
إذا فعلوا الفاحشة يؤذون، والنساء يحبسن ويؤذين.




فالحبس غايته إلى الموت، والأذية نهايتها إلى التوبة والإصلاح، ولهذا قال:


{ فَإِنْ تَابَا }

أي: رجعا عن الذنب الذي فعلاه وندما عليه، وعزما على أن لا يعودا


{ وَأَصْلَحَا }

العمل الدال على صدق التوبة


{ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا }

أي: عن أذاهما


{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا }

أي: كثير التوبة على المذنبين الخطائين، عظيم الرحمة والإحسان، الذي -من
إحسانه- وفقهم للتوبة وقبلها منهم، وسامحهم عن ما صدر منهم.




ويؤخذ من هاتين الآيتين أن بينة الزنا، لا بد أن تكون أربعة رجال مؤمنين، ومن
باب أولى وأحرى اشتراط عدالتهم؛ لأن الله تعالى شدد في أمر هذه الفاحشة، سترًا
لعباده، حتى إنه لا يقبل فيها النساء منفردات، ولا مع الرجال، ولا ما دون
أربعة.




ولا بد من التصريح بالشهادة، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، وتومئ إليه هذه
الآية لما قال:


{ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ }

لم يكتف بذلك حتى قال:


{ فَإِنْ شَهِدُوا }

أي: لا بد من شهادة صريحة عن أمر يشاهد عيانًا، من غير تعريض ولا كناية.




ويؤخذ منهما أن الأذية بالقول والفعل والحبس، قد شرعه الله تعزيرًا لجنس
المعصية الذي يحصل به الزجر.







{ 17 - 18 } { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ
التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ
أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ
وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }




توبة الله على عباده نوعان: توفيق منه للتوبة، وقبول لها بعد وجودها من العبد،
فأخبر هنا -أن التوبة المستحقة على الله حق أحقه على نفسه، كرما منه وجودا، لمن
عمل السوء أي: المعاصي


{ بِجَهَالَةٍ }

أي: جهالة منه بعاقبتها وإيجابها لسخط الله وعقابه، وجهل منه بنظر الله
ومراقبته له، وجهل منه بما تئول إليه من نقص الإيمان أو إعدامه، فكل عاص لله،
فهو جاهل بهذا الاعتبار وإن كان عالما بالتحريم. بل العلم بالتحريم شرط لكونها
معصية معاقبا عليها


{ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ }

يحتمل أن يكون المعنى: ثم يتوبون قبل معاينة الموت، فإن الله يقبل توبة العبد
إذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب قطعا. وأما بعد حضور الموت فلا يُقبل من
العاصين توبة ولا من الكفار رجوع، كما قال تعالى عن فرعون:


{ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا
الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ }

الآية. وقال تعالى:


{ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا
بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا
رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ }





وقال هنا:




{ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ }

أي: المعاصي فيما دون الكفر.


{ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا
الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا
أَلِيمًا }

وذلك أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا تنفع صاحبها، إنما تنفع توبة
الاختيار. ويحتمل أن يكون معنى قوله:


{ مِنْ قَرِيبٍ }

أي: قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة، فيكون المعنى: أن من بادر إلى الإقلاع
من حين صدور الذنب وأناب إلى الله وندم عليه فإن الله يتوب عليه، بخلاف من
استمر على ذنوبه وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفاتٍ راسخةً فإنه يعسر عليه
إيجاد التوبة التامة.




والغالب أنه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لأسبابها، كالذي يعمل السوء على علم تام
ويقين وتهاون بنظر الله إليه، فإنه سد على نفسه باب الرحمة.




نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة تامة [التي] يمحو
بها ما سلف من سيئاته وما تقدم من جناياته، ولكن الرحمة والتوفيق للأول أقرب،
ولهذا ختم الآية الأولى بقوله:


{ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }





فمِن علمه أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها فيجازي كلا منهما بحسب ما يستحق
بحكمته، ومن حكمته أن يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقَه للتوبة، ويخذل من
اقتضت حكمته وعدله عدمَ توفيقه. والله أعلم.







{ 19 - 21 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ
تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا
آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا *




وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ
إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ
بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى
بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا

}




كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته، رأى قريبُه كأخيه وابن عمه ونحوهما
أنه أحق بزوجته من كل أحد، وحماها عن غيره، أحبت أو كرهت.




فإن أحبها تزوجها على صداق يحبه دونها، وإن لم يرضها عضلها فلا يزوجها إلا من
يختاره هو، وربما امتنع من تزويجها حتى تبذل له شيئًا من ميراث قريبه أو من
صداقها، وكان الرجل أيضا يعضل زوجته التي [يكون] يكرهها ليذهب ببعض ما آتاها،
فنهى الله المؤمنين عن جميع هذه الأحوال إلا حالتين: إذا رضيت واختارت نكاح
قريب زوجها الأول، كما هو مفهوم قوله: {

كَرْهًا

}
وإذا أتين بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش وأذيتها لزوجها فإنه في هذه
الحال يجوز له أن يعضلها، عقوبة لها على فعلها لتفتدي منه إذا كان عضلا بالعدل.




ثم قال: {

وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ

}
وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من
الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة
والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان
والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال.



{
فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ
فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا

}
أي: ينبغي لكم -أيها الأزواج- أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك
خيرًا كثيرًا. من ذلك امتثال أمر الله، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا
والآخرة.




ومنها أن إجباره نفسَه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق
الجميلة. وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك. وربما
رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا والآخرة. وهذا كله مع الإمكان في
الإمساك وعدم المحذور.




فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم.




بل متى {

أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ

}
أي: تطليقَ زوجة وتزوجَ أخرى. أي: فلا جناح عليكم في ذلك ولا حرج. ولكن إذا {

آتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ

}
أي: المفارقة أو التي تزوجها {

قِنْطَارًا

}
أي: مالا كثيرا. {

فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا

}
بل وفروه لهن ولا تمطلوا بهن.




وفي هذه الآية دلالة على عدم تحريم كثرة المهر، مع أن الأفضل واللائق الاقتداءُ
بالنبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف المهر. ووجه الدلالة أن الله أخبر عن أمر
يقع منهم، ولم ينكره عليهم، فدل على عدم تحريمه [لكن قد ينهي عن كثرة الصداق
إذا تضمن مفسدة دينية وعدم مصلحة تقاوم]




ثم قال: {

أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا

}
فإن هذا لا يحل ولو تحيلتم عليه بأنواع الحيل، فإن إثمه واضح.




وقد بين تعالى حكمة ذلك بقوله: {

وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ
مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا

}
وبيان ذلك: أن الزوجة قبل عقد النكاح محرمة على الزوج ولم ترض بحلها له إلا
بذلك المهر الذي يدفعه لها، فإذا دخل بها وأفضى إليها وباشرها المباشرة التي
كانت حراما قبل ذلك، والتي لم ترض ببذلها إلا بذلك العوض، فإنه قد استوفى
المعوض فثبت عليه العوض.




فكيف يستوفي المعوض ثم بعد ذلك يرجع على العوض؟ هذا من أعظم الظلم والجور،
وكذلك أخذ الله على الأزواج ميثاقا غليظا بالعقد، والقيام بحقوقها. ثم قال
تعالى:



{
22

}
{

وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ
سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا

}




أي: لا تتزوجوا من النساء ما تزوجهن آباؤكم أي: الأب وإن علا. {

إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً

}
أي: أمرا قبيحا يفحش ويعظم قبحه {

وَمَقْتًا

}
من الله لكم ومن الخلق بل يمقت بسبب ذلك الابن أباه والأب ابنه، مع الأمر ببره.



{
وَسَاءَ سَبِيلًا

}
أي: بئس الطريق طريقا لمن سلكه لأن هذا من عوائد الجاهلية، التي جاء الإسلام
بالتنزه عنها والبراءة منها.



تفسير
الجزء الخامس يبدأ من الآية 24


{
23 - 24

}
{

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ
وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ
وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ
وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ
نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ
بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ
أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ
إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ
لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ
غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ
مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا

}




هذه الآيات الكريمات مشتملات على المحرمات بالنسب، والمحرمات بالرضاع،
والمحرمات بالصهر، والمحرمات بالجمع، وعلى المحللات من النساء. فأما المحرمات
في النسب فهن السبع اللاتي ذكرهن الله.




الأم يدخل فيها كل من لها عليك ولادة، وإن بعدت، ويدخل في البنت كل من لك عليها
ولادة، والأخوات الشقيقات، أو لأب أو لأم. والعمة: كل أخت لأبيك أو لجدك وإن
علا.




والخالة: كل أخت لأمك، أو جدتك وإن علت وارثة أم لا. وبنات الأخ وبنات الأخت
أي: وإن نزلت.




فهؤلاء هن المحرمات من النسب بإجماع العلماء كما هو نص الآية الكريمة وما عداهن
فيدخل في قوله: {

وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ

}
وذلك كبنت العمة والعم وبنت الخال والخالة.




وأما المحرمات بالرضاع فقد ذكر الله منهن الأم والأخت. وفي ذلك تحريم الأم مع
أن اللبن ليس لها، إنما هو لصاحب اللبن، دل بتنبيهه على أن صاحب اللبن يكون أبا
للمرتضع فإذا ثبتت الأبوة والأمومة ثبت ما هو فرع عنهما كإخوتهما وأصولهم
وفروعهم




وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" فينتشر
التحريم من جهة المرضعة ومن له اللبن كما ينتشر في الأقارب، وفي الطفل المرتضع
إلى ذريته فقط. لكن بشرط أن يكون الرضاع خمس رضعات في الحولين كما بينت السنة.




وأما المحرمات بالصهر فهن أربع. حلائل الآباء وإن علوا، وحلائل الأبناء وإن
نزلوا، وارثين أو محجوبين. وأمهات الزوجة وإن علون، فهؤلاء الثلاث يحرمن بمجرد
العقد.




والرابعة: الربيبة وهي بنت زوجته وإن نزلت، فهذه لا تحرم حتى يدخل بزوجته كما
قال هنا {

وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي
دَخَلْتُمْ بِهِنَّ

}
الآية.




وقد قال الجمهور: إن قوله: {

اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ

}
قيد خرج مخرج الغالب لا مفهوم له، فإن الربيبة تحرم ولو لم تكن في حجره ولكن
للتقييد بذلك فائدتان:




إحداهما: فيه التنبيه على الحكمة في تحريم الربيبة وأنها كانت بمنزلة البنت فمن
المستقبح إباحتها.




والثانية: فيه دلالة على جواز الخلوة بالربيبة وأنها بمنزلة من هي في حجره من
بناته ونحوهن. والله أعلم.




وأما المحرمات بالجمع فقد ذكر الله الجمع بين الأختين وحرمه وحرم النبي صلى
الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، فكل امرأتين بينهما رحم
محرم لو قدر إحداهما ذكرًا والأخرى أنثى حرمت عليه فإنه يحرم الجمع بينهما،
وذلك لما في ذلك من أسباب التقاطع بين الأرحام.



{
وَ

}
من المحرمات في النكاح {

وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ

}
أي: ذوات الأزواج. فإنه يحرم نكاحهن ما دمن في ذمة الزوج حتى تطلق وتنقضي
عدتها. {

إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ

}
أي: بالسبي، فإذا سبيت الكافرة ذات الزوج حلت للمسلمين بعد أن تستبرأ. وأما إذا
بيعت الأمة المزوجة أو وهبت فإنه لا ينفسخ نكاحها لأن المالك الثاني نزل منزلة
الأول ولقصة بريرة حين خيرها النبي صلى الله عليه وسلم.




وقوله: {

كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ

}
أي: الزموه واهتدوا به فإن فيه الشفاء والنور وفيه تفصيل الحلال من الحرام.




ودخل في قوله: {

وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ

}
كلُّ ما لم يذكر في هذه الآية، فإنه حلال طيب. فالحرام محصور والحلال ليس له حد
ولا حصر لطفًا من الله ورحمة وتيسيرًا للعباد.




وقوله: {

أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ

}
أي: تطلبوا من وقع عليه نظركم واختياركم من اللاتي أباحهن الله لكم حالة كونكم
{

مُحْصِنِينَ

}
أي: مستعفين عن الزنا، ومعفين نساءكم.



{
غَيْرَ مُسَافِحِينَ

}
والسفح: سفح الماء في الحلال والحرام، فإن الفاعل لذلك لا يحصن زوجته لكونه وضع
شهوته في الحرام فتضعف داعيته للحلال فلا يبقى محصنا لزوجته. وفيها دلالة على
أنه لا يزوج غير العفيف لقوله تعالى: {

الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا
يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ

}
.{

فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ

}
أي: ممن تزوجتموها {

فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ

}
أي: الأجور في مقابلة الاستمتاع. ولهذا إذا دخل الزوج بزوجته تقرر عليه صداقها
{

فَرِيضَةً

}
أي: إتيانكم إياهن أجورهن فرض فرضه الله عليكم، ليس بمنزلة التبرع الذي إن شاء
أمضاه وإن شاء رده. أو معنى قوله فريضة: أي: مقدرة قد قدرتموها فوجبت عليكم،
فلا تنقصوا منها شيئًا.



{
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ

}
أي: بزيادة من الزوج أو إسقاط من الزوجة عن رضا وطيب نفس [هذا قول كثير من
المفسرين، وقال كثير منهم: إنها نزلت في متعة النساء التي كانت حلالا في أول
الإسلام ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يؤمر بتوقيتها وأجرها، ثم إذا
انقضى الأمد الذي بينهما فتراضيا بعد الفريضة فلا حرج عليهما، والله أعلم].



{
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا

}
أي: كامل العلم واسعه، كامل الحكمة: فمن علمه وحكمته شرع لكم هذه الشرائع وحد
لكم هذه الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام.



{
25

}
{

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ
فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا
أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ
وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

}




ثم قال تعالى {

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا

}
الآية.




أي: ومن لم يستطع الطول الذي هو المهر لنكاح المحصنات أي: الحرائر المؤمنات
وخاف على نفسه العَنَت أي: الزنا والمشقة الكثيرة، فيجوز له نكاح الإماء
المملوكات المؤمنات. وهذا بحسب ما يظهر، وإلا فالله أعلم بالمؤمن الصادق من
غيره، فأمور الدنيا مبنية على ظواهر الأمور، وأحكام الآخرة مبنية على ما في
البواطن.



{
فَانْكِحُوهُنَّ

}
أي: المملوكات {

بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ

}
أي: سيدهن واحدا أو متعددا.



{
وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ

}
أي: ولو كن إماء، فإنه كما يجب المهر للحرة فكذلك يجب للأمة. ولكن لا يجوز نكاح
الإماء إلا إذا كن {

مُحْصَنَاتٍ

}
أي: عفيفات عن الزنا {

غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ

}
أي: زانيات علانية. {

وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ

}
أي: أخلاء في السر.




فالحاصل أنه لا يجوز للحر المسلم نكاح أمة إلا بأربعة شروط ذكرها الله: الإيمان
بهن والعفة ظاهرا وباطنا، وعدم استطاعة طول الحرة، وخوف العنت، فإذا تمت هذه
الشروط جاز له نكاحهن.




ومع هذا فالصبر عن نكاحهن أفضل لما فيه من تعريض الأولاد للرق، ولما فيه من
الدناءة والعيب. وهذا إذا أمكن الصبر، فإن لم يمكن الصبر عن المحرم إلا بنكاحهن
وجب ذلك. ولهذا قال: {

وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

}




وقوله: {

فَإِذَا أُحْصِنَّ

}
أي: تزوجن أو أسلمن أي: الإماء {

فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ

}
أي: الحرائر {

مِنَ الْعَذَابِ

}




وذلك الذي يمكن تنصيفه وهو: الجَلد فيكون عليهن خمسون جَلدة. وأما الرجم فليس
على الإماء رجم لأنه لا يتنصف، فعلى القول الأول إذا لم يتزوجن فليس عليهن حد،
إنما عليهن تعزير يردعهن عن فعل الفاحشة.




وعلى القول الثاني: إن الإماء غير المسلمات، إذا فعلن فاحشة أيضا عزرن.




وختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين "الغفور والرحيم" لكون هذه الأحكام
رحمةً بالعباد وكرمًا وإحسانًا إليهم فلم يضيق عليهم، بل وسع غاية السعة.




ولعل في ذكر المغفرة بعد ذكر الحد إشارة إلى أن الحدود كفارات، يغفر الله بها
ذنوب عباده كما ورد بذلك الحديث. وحكم العبد الذكر في الحد المذكور حكم الأمة
لعدم الفارق بينهما.
توقيع العضو
خيارات المشاركه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المعلومات
الكاتب:
System32
اللقب:
مساعد المدير
الرتبه:
مساعد المدير
الصورة الرمزية

System32

البيانات
الجنس الجنس :
ذكر
الـمـشـاركـات الـمـشـاركـات :
1874
المكسب المكسب :
16678
الاعجاب الاعجاب :
38

الساعه بتوقيت الاردن

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://kahn.yoo7.com/
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النساء
تفسير سورة النساء Clock102011-08-25, 15:27

الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,


- تفسير
سورة النساء

عدد آياتها 176

(
آية

26-50

)

وهي مدنية


{
26 - 28

}
{

يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ
يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ
يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا

}




يخبر تعالى بمنته العظيمة ومنحته الجسيمة، وحسن تربيته لعباده المؤمنين وسهولة
دينه فقال: {

يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ

}
أي: جميع ما تحتاجون إلى بيانه من الحق والباطل، والحلال والحرام، {

وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ

}
أي: الذين أنعم الله عليهم من النبيين وأتباعهم، في سيرهم الحميدة، وأفعالهم
السديدة، وشمائلهم الكاملة، وتوفيقهم التام. فلذلك نفذ ما أراده، ووضح لكم وبين
بيانا كما بين لمن قبلكم، وهداكم هداية عظيمة في العلم والعمل.



{
وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ

}
أي: يلطف لكم في أحوالكم وما شرعه لكم حتى تمكنوا من الوقوف على ما حده الله،
والاكتفاء بما أحله فتقل ذنوبكم بسبب ما يسر الله عليكم فهذا من توبته على
عباده.




ومن توبته عليهم أنهم إذا أذنبوا فتح لهم أبواب الرحمة وأوزع قلوبهم الإنابة
إليه، والتذلل بين يديه ثم يتوب عليهم بقبول ما وفقهم له. فله الحمد والشكر على
ذلك.




وقوله: {

وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

}
أي: كامل الحكمة، فمن علمه أن علمكم ما لم تكونوا تعلمون، ومنها هذه الأشياء
والحدود. ومن حكمته أنه يتوب على من اقتضت حكمته ورحمته التوبة عليه، ويخذل من
اقتضت حكمته وعدله من لا يصلح للتوبة.




وقوله: {

وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ

}
أي: توبة تلم شعثكم، وتجمع متفرقكم، وتقرب بعيدكم.



{
وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ

}
أي: يميلون معها حيث مالت ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم، ويعبدون أهواءهم،
من أصناف الكفرة والعاصين، المقدمين لأهوائهم على طاعة ربهم، فهؤلاء يريدون {

أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا

}
أي: [أن] تنحرفوا عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم والضالين.




يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان، وعن التزام حدود من
السعادة كلها في امتثال أوامره، إلى مَنْ الشقاوةُ كلها في اتباعه. فإذا عرفتم
أن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم، وأن هؤلاء المتبعين
لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء، فاختاروا لأنفسكم أوْلى
الداعيين، وتخيّروا أحسن الطريقتين.



{
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ

}
أي: بسهولة ما أمركم به و [ما] نهاكم عنه، ثم مع حصول المشقة في بعض الشرائع
أباح لكم ما تقتضيه حاجتكم، كالميتة والدم ونحوهما للمضطر، وكتزوج الأمة للحر
بتلك الشروط السابقة. وذلك لرحمته التامة وإحسانه الشامل، وعلمه وحكمته بضعف
الإنسان من جميع الوجوه، ضعف البنية، وضعف الإرادة، وضعف العزيمة، وضعف
الإيمان، وضعف الصبر، فناسب ذلك أن يخفف الله عنه، ما يضعف عنه وما لا يطيقه
إيمانه وصبره وقوته.



{
29 - 30

}
{

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا
تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ
ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا

}




ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل، وهذا يشمل أكلها
بالغصوب والسرقات، وأخذها بالقمار والمكاسب الرديئة. بل لعله يدخل في ذلك أكل
مال نفسك على وجه البطر والإسراف، لأن هذا من الباطل وليس من الحق.




ثم إنه -لما حرم أكلها بالباطل- أباح لهم أكلها بالتجارات والمكاسب الخالية من
الموانع، المشتملة على الشروط من التراضي وغيره.



{
وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ

}
أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل الإنسان نفسه. ويدخل في ذلك الإلقاءُ بالنفس
إلى التهلكة، وفعلُ الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك {

إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا

}
ومن رحمته أن صان نفوسكم وأموالكم، ونهاكم عن إضاعتها وإتلافها، ورتب على ذلك
ما رتبه من الحدود.




وتأمل هذا الإيجاز والجمع في قوله: {

لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ

}
{

وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ

}
كيف شمل أموال غيرك ومال نفسك وقتل نفسك وقتل غيرك بعبارة أخصر من قوله: "لا
يأكل بعضكم مال بعض" و "لا يقتل بعضكم بعضًا" مع قصور هذه العبارة على مال
الغير ونفس الغير فقط.




مع أن إضافة الأموال والأنفس إلى عموم المؤمنين فيه دلالة على أن المؤمنين في
توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ومصالحهم كالجسد الواحد، حيث كان الإيمان يجمعهم على
مصالحهم الدينية والدنيوية.




ولما نهى عن أكل الأموال بالباطل التي فيها غاية الضرر عليهم، على الآكل، ومن
أخذ ماله، أباح لهم ما فيه مصلحتهم من أنواع المكاسب والتجارات، وأنواع الحرف
والإجارات، فقال: {

إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ

}
أي: فإنها مباحة لكم.




وشرط التراضي -مع كونها تجارة- لدلالة أنه يشترط أن يكون العقد غير عقد ربا لأن
الربا ليس من التجارة، بل مخالف لمقصودها، وأنه لا بد أن يرضى كل من المتعاقدين
ويأتي به اختيارًا.




ومن تمام الرضا أن يكون المعقود عليه معلوما، لأنه إذا لم يكن كذلك لا يتصور
الرضا مقدورًا على تسليمه، لأن غير المقدور عليه شبيه ببيع القمار، فبيع الغرر
بجميع أنواعه خال من الرضا فلا ينفذ عقده.




وفيها أنه تنعقد العقود بما دل عليها من قول أو فعل، لأن الله شرط الرضا فبأي
طريق حصل الرضا انعقد به العقد. ثم ختم الآية بقوله: {

إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا

}
ومن رحمته أن عصم دماءكم وأموالكم وصانها ونهاكم عن انتهاكها.




(30) ثم قال: {

وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ

}
أي: أكل الأموال بالباطل وقتل النفوس {

عُدْوَانًا وَظُلْمًا

}
أي: لا جهلا ونسيانا {

فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا

}
أي: عظيمة كما يفيده التنكير {

وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا

}



{
31

}
{

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا

}




وهذا من فضل الله وإحسانه على عباده المؤمنين وعدهم أنهم إذا اجتنبوا كبائر
المنهيات غفر لهم جميع الذنوب والسيئات وأدخلهم مدخلا كريما كثير الخير وهو
الجنة المشتملة على ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.




ويدخل في اجتناب الكبائر فعل الفرائض التي يكون تاركها مرتكبا كبيرة، كالصلوات
الخمس، والجمعة، وصوم رمضان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "الصلوات الخمس
والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهما ما اجتنبت الكبائر" .




وأحسن ما حُدت به الكبائر، أن الكبيرة ما فيه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة،
أو نفي إيمان، أو ترتيب لعنة، أو غضب عليه.



{
32

}
{

وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا
اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمًا

}




ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة
وغير الممكنة. فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء، ولا
صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيا مجردا لأن هذا هو الحسد بعينه،
تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها. ولأنه يقتضي السخط على قدر
الله والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب.
وإنما المحمود أمران: أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية
والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه.
ولهذا قال تعالى: {

لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا

}
أي: من أعمالهم المنتجة للمطلوب. {

وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ

}
فكل منهم لا يناله غير ما كسبه وتعب فيه. {

وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ

}
أي: من جميع مصالحكم في الدين والدنيا. فهذا كمال العبد وعنوان سعادته لا من
يترك العمل، أو يتكل على نفسه غير مفتقر لربه، أو يجمع بين الأمرين فإن هذا
مخذول خاسر.




وقوله: {

إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا

}
فيعطي من يعلمه أهلا لذلك، ويمنع من يعلمه غير مستحق.



{
33

}
{

وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ
وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا

}




أي: {

وَلِكُلٍّ

}
من الناس {

جَعَلْنَا مَوَالِيَ

}
أي: يتولونه ويتولاهم بالتعزز والنصرة والمعاونة على الأمور. {

مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ

}
وهذا يشمل سائر الأقارب من الأصول والفروع والحواشي، هؤلاء الموالي من القرابة.




ثم ذكر نوعا آخر من الموالي فقال: {

وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ

}
أي: حالفتموهم بما عقدتم معهم من عقد المحالفة على النصرة والمساعدة والاشتراك
بالأموال وغير ذلك. وكل هذا من نعم الله على عباده، حيث كان الموالي يتعاونون
بما لا يقدر عليه بعضهم مفردا.




قال تعالى: {

فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ

}
أي: آتوا الموالي نصيبهم الذي يجب القيام به من النصرة والمعاونة والمساعدة على
غير معصية الله. والميراث للأقارب الأدنين من الموالي.



{
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا

}
أي: مطلعا على كل شيء بعلمه لجميع الأمور، وبصره لحركات عباده، وسمعه لجميع
أصواتهم.



{
34

}
{

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ
عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ
قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ
نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ
عَلِيًّا كَبِيرًا

}




يخبر تعالى أن الرِّجَال {

قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ

}
أي: قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه وكفهن عن
المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك، وقوامون عليهن أيضا بالإنفاق عليهن،
والكسوة والمسكن، ثم ذكر السبب الموجب لقيام الرجال على النساء فقال: {

بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ
أَمْوَالِهِمْ

}
أي: بسبب فضل الرجال على النساء وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من
وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم
بكثير من العبادات كالجهاد والأعياد والجمع. وبما خصهم الله به من العقل
والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله. وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات
بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء.




ولعل هذا سر قوله: {

وَبِمَا أَنْفَقُوا

}
وحذف المفعول ليدل على عموم النفقة. فعلم من هذا كله أن الرجل كالوالي والسيد
لامرأته، وهي عنده عانية أسيرة خادمة،فوظيفته أن يقوم بما استرعاه الله به.




ووظيفتها: القيام بطاعة ربها وطاعة زوجها فلهذا قال: {

فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ

}
أي: مطيعات لله تعالى {

حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ

}
أي: مطيعات لأزواجهن حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها وماله، وذلك بحفظ الله لهن
وتوفيقه لهن، لا من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء، ولكن من توكل على الله
كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه.




ثم قال: {

وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ

}
أي: ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها بالأسهل
فالأسهل، {

فَعِظُوهُنَّ

}
أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة، والترهيب من
معصيته، فإن انتهت فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا
يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح،
فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم {

فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا

}
أي: فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن
العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر.



{
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا

}
أي: له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتبارات، علو الذات وعلو القدر وعلو
القهر الكبير الذي لا أكبر منه ولا أجل ولا أعظم، كبير الذات والصفات.



{
35

}
{

وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ
وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ
بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا

}




أي: وإن خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة حتى يكون كل منهما في شق
{

فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا

}
أي: رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع
والتفريق. وهذا مستفاد من لفظ "الحكم" لأنه لا يصلح حكما إلا من اتصف بتلك
الصفات.




فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب، فإن لم يستطع
أحدهما ذلك، قنَّعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق، ومهما
أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلا عنه.




فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة
والمقاطعة ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما. ولا يشترط
رضا الزوج، كما يدل عليه أن الله سماهما حكمين، والحكم يحكم ولو لم يرض
المحكوم عليه، ولهذا قال: {

إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا

}
أي: بسبب الرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب ويؤلف بين القرينين.



{
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا

}
أي: عالمًا بجميع الظواهر والبواطن، مطلعا على خفايا الأمور وأسرارها. فمن علمه
وخبره أن شرع لكم هذه الأحكام الجليلة والشرائع الجميلة.





{

36 - 38

}
{

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي
الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ
وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا
فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ
وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا
لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ
رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا

}




يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له، وهو الدخول تحت رق عبوديته،
والانقياد لأوامره ونواهيه، محبة وذلا وإخلاصا له، في جميع العبادات الظاهرة
والباطنة.




وينهى عن الشرك به شيئا لا شركا أصغر ولا أكبر، لا ملكا ولا نبيا ولا وليا ولا
غيرهم من المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة
ولا نشورا، بل الواجب المتعين إخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع
الوجوه، وله التدبير الكامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه أحد. ثم بعد ما أمر
بعبادته والقيام بحقه أمر بالقيام بحقوق العباد الأقرب فالأقرب. فقال: {

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

}
أي: أحسنوا إليهم بالقول الكريم والخطاب اللطيف والفعل الجميل بطاعة أمرهما
واجتناب نهيهما والإنفاق عليهما وإكرام من له تعلق بهما وصلة الرحم التي لا رحم
لك إلا بهما. وللإحسان ضدان، الإساءةُ وعدمُ الإحسان. وكلاهما منهي عنه.



{
وَبِذِي الْقُرْبَى

}
أيضا إحسانا، ويشمل ذلك جميع الأقارب، قربوا أو بعدوا، بأن يحسن إليهم بالقول
والفعل، وأن لا يقطع برحمه بقوله أو فعله.



{
وَالْيَتَامَى

}
أي: الذين فقدوا آباءهم وهم صغار، فلهم حق على المسلمين، سواء كانوا أقارب أو
غيرهم بكفالتهم وبرهم وجبر خواطرهم وتأديبهم، وتربيتهم أحسن تربية في مصالح
دينهم ودنياهم.



{
وَالْمَسَاكِين

}
وهم الذين أسكنتهم الحاجة والفقر، فلم يحصلوا على كفايتهم، ولا كفاية من
يمونون، فأمر الله تعالى بالإحسان إليهم، بسد خلتهم وبدفع فاقتهم، والحض على
ذلك، والقيام بما يمكن منه.



{
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى

}
أي: الجار القريب الذي له حقان حق الجوار وحق القرابة، فله على جاره حق وإحسان
راجع إلى العرف. {

و

}
كذلك {

الْجَارِ الْجُنُبِ

}
أي: الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكد حقًّا، فينبغي
للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم
أذيته بقول أو فعل.



{
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ

}
قيل: الرفيق في السفر، وقيل: الزوجة، وقيل الصاحب مطلقا، ولعله أولى، فإنه يشمل
الصاحب في الحضر والسفر ويشمل الزوجة. فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد
إسلامه، من مساعدته على أمور دينه ودنياه، والنصح له؛ والوفاء معه في اليسر
والعسر، والمنشط والمكره، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه،
وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد.



{
وَابْنَ السَّبِيلِ

}
وهو: الغريب الذي احتاج في بلد الغربة أو لم يحتج، فله حق على المسلمين لشدة
حاجته وكونه في غير وطنه بتبليغه إلى مقصوده أو بعض مقصوده [وبإكرامه وتأنيسه]



{
وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ

}
: أي: من الآدميين والبهائم بالقيام بكفايتهم وعدم تحميلهم ما يشق عليهم
وإعانتهم على ما يتحملون، وتأديبهم لما فيه مصلحتهم. فمن قام بهذه المأمورات
فهو الخاضع لربه، المتواضع لعباد الله، المنقاد لأمر الله وشرعه، الذي يستحق
الثواب الجزيل والثناء الجميل، ومن لم يقم بذلك فإنه عبد معرض عن ربه، غير
منقاد لأوامره، ولا متواضع للخلق، بل هو متكبر على عباد الله معجب بنفسه فخور
بقوله، ولهذا قال: {

إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا

}
أي: معجبا بنفسه متكبرًا على الخلق {

فَخُورًا

}
يثني على نفسه ويمدحها على وجه الفخر والبطر على عباد الله، فهؤلاء ما بهم من
الاختيال والفخر يمنعهم من القيام بالحقوق. ولهذا ذمهم بقوله: {

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ

}
أي: يمنعون ما عليهم من الحقوق الواجبة. {

وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ

}
بأقوالهم وأفعالهم {

وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ

}
أي: من العلم الذي يهتدي به الضالون ويسترشد به الجاهلون فيكتمونه عنهم،
ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق. فجمعوا بين البخل بالمال
والبخل بالعلم، وبين السعي في خسارة أنفسهم وخسارة غيرهم، وهذه هي صفات
الكافرين، فلهذا قال تعالى: {

وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا

}
أي: كما تكبروا على عباد الله ومنعوا حقوقه وتسببوا في منع غيرهم من البخل وعدم
الاهتداء، أهانهم بالعذاب الأليم والخزي الدائم. فعياذًا بك اللهم من كل سوء.




ثم أخبر عن النفقة الصادرة عن رياء وسمعة وعدم إيمان به فقال: {

وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ

}
أي: ليروهم ويمدحوهم ويعظموهم {

وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ

}
أي: ليس إنفاقهم صادرا عن إخلاص وإيمان بالله ورجاء ثوابه. أي: فهذا من خطوات
الشيطان وأعماله التي يدعو حزبه إليها ليكونوا من أصحاب السعير. وصدرت منهم
بسبب مقارنته لهم وأزهم إليها فلهذا قال: {

وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا

}
أي: بئس المقارن والصاحب الذي يريد إهلاك من قارنه ويسعى فيه أشد السعي.




فكما أن من بخل بما آتاه الله، وكتم ما مَنَّ به الله عليه عاص آثم مخالف لربه،
فكذلك من أنفق وتعبد لغير الله فإنه آثم عاص لربه مستوجب للعقوبة، لأن الله
إنما أمر بطاعته وامتثال أمره على وجه الإخلاص، كما قال تعالى: {

وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ

}
فهذا العمل المقبول الذي يستحق صاحبه المدح والثواب فلهذا حث تعالى عليه بقوله:



{
39

}
{

وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا
مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا

}




أي: أي شيء عليهم وأي حرج ومشقة تلحقهم لو حصل منهم الإيمان بالله الذي هو
الإخلاص، وأنفقوا من أموالهم التي رزقهم الله وأنعم بها عليهم فجمعوا بين
الإخلاص والإنفاق، ولما كان الإخلاص سرًّا بين العبد وبين ربه، لا يطلع عليه
إلا الله أخبر تعالى بعلمه بجميع الأحوال فقال: {

وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا

}







{ 40 - 42 } { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ
حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ
إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ
شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ
تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا }




يخبر تعالى عن كمال عدله وفضله وتنزهه عما يضاد ذلك من الظلم القليل والكثير
فقال: {

إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ

}
أي: ينقصها من حسنات عبده أو يزيدها في سيئاته، كما قال تعالى: {

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ

}



{
وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا

}
أي: إلى عشرة أمثالها، إلى أكثر من ذلك، بحسب حالها ونفعها وحال صاحبها، إخلاصا
ومحبة وكمالا.



{
وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا

}
أي: زيادة على ثواب العمل بنفسه من التوفيق لأعمال أخر، وإعطاء البر الكثير
والخير الغزير.




ثم قال تعالى: {

فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى
هَؤُلَاءِ شَهِيدًا

}
أي: كيف تكون تلك الأحوال، وكيف يكون ذلك الحكم العظيم، الذي جمع أن من حكم به
كاملُ العلم، كاملُ العدل، كامل الحكمة، بشهادة أزكى الخلق وهم الرسل على أممهم
مع إقرار المحكوم عليه؟" فهذا -والله- الحكم الذي هو أعم الأحكام وأعدلها
وأعظمها.




وهناك يبقى المحكوم عليهم مقرين له لكمال الفضل والعدل، والحمد والثناء. وهناك
يسعد أقوام بالفوز والفلاح والعز والنجاح. ويشقى أقوام بالخزي والفضيحة والعذاب
المهين.




ولهذا قال: {

يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ

}
أي: جمعوا بين الكفر بالله وبرسوله، ومعصيةِ الرسول {

لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ

}
أي: تبتلعهم ويكونون ترابا وعدما، كما قال تعالى: {

وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا


}. {

وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا

}
أي: بل يقرون له بما عملوا، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا
يعملون. يومئذ يوفيهم الله جزاءهم الحق، ويعلمون أن الله هو الحق المبين.




فأما ما ورد من أن الكفار يكتمون كفرهم وجحودهم، فإن ذلك يكون في بعض مواضع
القيامة، حين يظنون أن جحودهم ينفعهم من عذاب الله، فإذا عرفوا الحقائق وشهدت
عليهم جوارحهم حينئذ ينجلي الأمر، ولا يبقى للكتمان موضع، ولا نفع ولا فائدة.







{ 43 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ
سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي
سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ
جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ
تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا }




ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يقربوا الصلاة وهم سكارى، حتى يعلموا ما يقولون،
وهذا شامل لقربان مواضع الصلاة، كالمسجد، فإنه لا يمكَّن السكران من دخوله.
وشامل لنفس الصلاة، فإنه لا يجوز للسكران صلاة ولا عبادة، لاختلاط عقله وعدم
علمه بما يقول، ولهذا حدد تعالى ذلك وغياه إلى وجود العلم بما يقول السكران.
وهذه الآية الكريمة منسوخة بتحريم الخمر مطلقا، فإن الخمر -في أول الأمر- كان
غير محرم، ثم إن الله تعالى عرض لعباده بتحريمه بقوله: {

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ
وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا

}




ثم إنه تعالى نهاهم عن الخمر عند حضور الصلاة كما في هذه الآية، ثم إنه تعالى
حرمه على الإطلاق في جميع الأوقات في قوله: {

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ

}
الآية.




ومع هذا فإنه يشتد تحريمه وقت حضور الصلاة لتضمنه هذه المفسدة العظيمة، بعد
حصول مقصود الصلاة الذي هو روحها ولبها وهو الخشوع وحضور القلب، فإن الخمر يسكر
القلب، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويؤخذ من المعنى منع الدخول في الصلاة في
حال النعاس المفرط، الذي لا يشعر صاحبه بما يقول ويفعل، بل لعل فيه إشارة إلى
أنه ينبغي لمن أراد الصلاة أن يقطع عنه كل شاغل يشغل فكره، كمدافعة الأخبثين
والتوق لطعام ونحوه كما ورد في ذلك الحديث الصحيح.




ثم قال: {

وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ

}
أي: لا تقربوا الصلاة حالة كون أحدكم جنبا، إلا في هذه الحال وهو عابر السبيل
أي: تمرون في المسجد ولا تمكثون فيه، {

حَتَّى تَغْتَسِلُوا

}
أي: فإذا اغتسلتم فهو غاية المنع من قربان الصلاة للجنب، فيحل للجنب المرور في
المسجد فقط.



{
وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا

}




فأباح التيمم للمريض مطلقًا مع وجود الماء وعدمه، والعلة المرض الذي يشق معه
استعمال الماء، وكذلك السفر فإنه مظنة فقد الماء، فإذا فقده المسافر أو وجد ما
يتعلق بحاجته من شرب ونحوه، جاز له التيمم.




وكذلك إذا أحدث الإنسان ببول أو غائط أو ملامسة النساء، فإنه يباح له التيمم
إذا لم يجد الماء، حضرًا وسفرًا كما يدل على ذلك عموم الآية. والحاصل: أن الله
تعالى أباح التيمم في حالتين:




حال عدم الماء، وهذا مطلقا في الحضر والسفر، وحال المشقة باستعماله بمرض ونحوه.




واختلف المفسرون في معنى قوله: {

أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ

}
هل المراد بذلك: الجماع فتكون الآية نصا في جواز التيمم للجنب، كما تكاثرت بذلك
الأحاديث الصحيحة؟ أو المراد بذلك مجرد اللمس باليد، ويقيد ذلك بما إذا كان
مظنة خروج المذي، وهو المس الذي يكون لشهوة فتكون الآية دالة على نقض الوضوء
بذلك؟




واستدل الفقهاء بقوله: {

فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً

}
بوجوب طلب الماء عند دخول الوقت، قالوا: لأنه لا يقال: "لم يجد" لمن لم يطلب،
بل لا يكون ذلك إلا بعد الطلب، واستدل بذلك أيضا على أن الماء المتغير بشيء من
الطاهرات يجوز بل يتعين التطهر به لدخوله في قوله: {

فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً

}
وهذا ماء. ونوزع في ذلك أنه ماء غير مطلق وفي ذلك نظر.




وفي هذه الآية الكريمة مشروعية هذا الحكم العظيم الذي امتن به الله على هذه
الأمة، وهو مشروعية التيمم، وقد أجمع على ذلك العلماء ولله الحمد، وأن التيمم
يكون بالصعيد الطيب، وهو كل ما تصاعد على وجه الأرض سواء كان له غبار أم لا،
ويحتمل أن يختص ذلك بذي الغبار لأن الله قال: {

فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ

}
وما لا غبار له لا يمسح به.




وقوله: {

فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ

}
هذا محل المسح في التيمم: الوجه جميعه واليدان إلى الكوعين، كما دلت على ذلك
الأحاديث الصحيحة، ويستحب أن يكون ذلك بضربة واحدة، كما دل على ذلك حديث عمار،
وفيه أن تيمم الجنب كتيمم غيره، بالوجه واليدين.




فائدة




اعلم أن قواعد الطب تدور على ثلاث قواعد: حفظ الصحة عن المؤذيات، والاستفراغ
منها، والحمية عنها. وقد نبه تعالى عليها في كتابه العزيز.




أما حفظ الصحة والحمية عن المؤذي، فقد أمر بالأكل والشرب وعدم الإسراف في ذلك،
وأباح للمسافر والمريض الفطر حفظا لصتحهما، باستعمال ما يصلح البدن على وجه
العدل، وحماية للمريض عما يضره.




وأما استفراغ المؤذي فقد أباح تعالى للمحْرِم المتأذي برأسه أن يحلقه لإزالة
الأبخرة المحتقنة فيه، ففيه تنبيه على استفراغ ما هو أولى منها من البول
والغائط والقيء والمني والدم، وغير ذلك، نبه على ذلك ابن القيم رحمه الله
تعالى.




وفي الآية وجوب تعميم مسح الوجه واليدين، وأنه يجوز التيمم ولو لم يضق الوقت،
وأنه لا يخاطب بطلب الماء إلا بعد وجود سبب الوجوب والله أعلم.




ثم ختم الآية بقوله: {

إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا

}
أي: كثير العفو والمغفرة لعباده المؤمنين، بتيسير ما أمرهم به، وتسهيله غاية
التسهيل، بحيث لا يشق على العبد امتثاله، فيحرج بذلك.




ومن عفوه ومغفرته أن رحم هذه الأمة بشرع طهارة التراب بدل الماء، عند تعذر
استعماله. ومن عفوه ومغفرته أن فتح للمذنبين باب التوبة والإنابة ودعاهم إليه
ووعدهم بمغفرة ذنوبهم. ومن عفوه ومغفرته أن المؤمن لو أتاه بقراب الأرض خطايا
ثم لقيه لا يشرك به شيئا، لأتاه بقرابها مغفرة.







{ 44 - 46 } { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ
يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ *وَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ
نَصِيرًا * مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ
وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا
لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا
قَلِيلًا

}




هذا ذم لمن {

أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ

}
وفي ضمنه تحذير عباده عن الاغترار بهم، والوقوع في أشراكهم، فأخبر أنهم في
أنفسهم {

يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ

}
أي: يحبونها محبة عظيمة ويؤثرونها إيثار من يبذل المال الكثير في طلب ما يحبه.
فيؤثرون الضلال على الهدى، والكفر على الإيمان، والشقاء على السعادة، ومع هذا {

يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ

}
.




فهم حريصون على إضلالكم غاية الحرص، باذلون جهدهم في ذلك .ولكن لما كان الله
ولي عباده المؤمنين وناصرهم، بيَّن لهم ما اشتملوا عليه من الضلال والإضلال،
ولهذا قال: {

وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا

}
أي: يتولى أحوال عباده ويلطف بهم في جميع أمورهم، وييسر لهم ما به سعادتهم
وفلاحهم. {

وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا

}
ينصرهم على أعدائ
توقيع العضو
خيارات المشاركه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المعلومات
الكاتب:
القيصر ابو ريان
اللقب:
المدير العام
الرتبه:
المدير العام
الصورة الرمزية

القيصر ابو ريان

البيانات
الجنس الجنس :
ذكر
الـمـشـاركـات الـمـشـاركـات :
7401
المكسب المكسب :
38188
العمر العمر :
31
الاعجاب الاعجاب :
94

الساعه بتوقيت الاردن

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://kahn.yoo7.com/
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة النساء
تفسير سورة النساء Clock102012-04-30, 19:56

الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,الريان سوفت :رد: تفسير سورة النساء,


جزاك الله كل خير اخي الكريم
توقيع العضو
خيارات المشاركه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير سورة النساء

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 

مواضيع مماثلة

-
» تفسير سورة ق 1-22
» تفسير سورة ق 23-45
» تفسير سورة الدخان 34-59
» تفسير سورة البقره
» تفسير سورة الرعد 1-25
صفحة 1 من اصل 1
لا تجعل الله اهون الناظرين اليك
تذكر قوله تعالى 
((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ))
الردود السريعه:
صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

ككل هناك 52 أشخاص حالياً في هذا الموضوع :: 2 أعضاء, 3 عُضو مُختفي و 47 زائر
منتديات الريان سوفت :: .::الــسـاحـه الاسـلامـيـه::. :: الــقــرأن الــكـريــم-

xml atom feed Rss 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 192 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 257 258 259 260

1Powered by Al Ryan Soft ® Version 2
Copyright © 2013.::
 جميع الحقوق محفوظه لمنتديات الريان سوفت التكنولوجيه التطويريه © ::.
 إبراء ذمة إدارة الشبكه ، امام الله وامام جميع الزوار والاعضاء، على مايحصل من تعارف بين الاعضاء او زوار على مايخالف ديننا الحنيف، والله ولي التوفيق